Thursday 2 May 2013

الكل باق


“دول مش مصريين. دول مش شبهنا. شايف بيلبسوا إيه؟! شايف بيتكلموا إزاي؟ شايف قنواتهم؟ شايف ستاتهم؟ دول طلعولنا منين!؟ إمتى بقى الناس دي تتلم أو تختفي من البلد ونستريح بقى، وتكون مصر زي ما إحنا نفسنا نشوفه؟!”

هذه الجُمل يعرفها الكل تقريبا. بل ويقولها الكثيرون، وليس الكل، وبشكل يبدو يوميا. فالكثيرون من أصحاب الميول الأكثر ليبرالية فوجئوا بملايين من البشر الذين يبدو وأنهم لم يكونوا يعلمون عنها سوى القليل. وأصابهم الهلع عندما فاز الإخوان بأغلبية البرلمان، وعندما فاز التيار السلفي الذي عرفه الكثيرون للأول مرة بما يقرب من خُمس البرلمان. والكثيريون منهم فوجئوا بقنوات الحافظ والناس وشخصياتها وأراءهم الدينية والمجتمعية والسياسية. وفوجئوا كذلك بقدرتهم على الحشد السياسي والمجتمعي ومدى إنتشارهم، وإنتشرت مقولة أن كل هؤلاء من غير المتعلمين ومن الفقراء وأنه يتم التحكم فيهم بالخدمات المجتمعية وبالغسيل الدماغي، وكلهم بالتأكيد “إسطامبة واحدة” بلا أي إختلاف أو تمايز، وكل قياداتهم بالتأكيد من الإرهابيين. ويتعلق الكثيرون من هؤلاء بفكرة نزول الجيش أو المؤسسة الأمنية لكي تعيد السيطرة الأمنية على الإسلاميين كما كان الحال أيام مبارك، ويرون أن ذلك هو “الحل.”

وفي المقابل، يقول نفس الجُمل عدد كبير، وليس الكل، من مؤيدي التيار المحافظ. فهؤلاء يرون الأخرين من الليبراليين والمعارضين أنهم قلة، وأنهم لا يمثلون القيم السليمة، وأنهم يمكن السيطرة عليهم بالضغط أو بالقانون بما أنهم الأغلبية السياسية حاليا في الدولة أو ما غير ذلك من طرق، وأن إخضاعهم بأي صورة إلى نفس المنظومة القيمية أو السياسية من مصلحة حتى هؤلاء المعارضين ومن مصلحة المجتمع ككل. وعندما نزلوا معارضين مرسي بأعداد مهولة، أصاب الكثيرين من مؤيدي التيار المحافظ صدمة، وقال البعض عن هؤلاء المتظاهرين أنهم كلهم من الفلول، وربما ملحدين وأعداء للدين، أو بلطجية، أو كلهم من المسيحيين، أو أنهم مسلمين ولكن مضحوكا عليهم. وهؤلاء المعارضين قنواتهم التليفزيونية مغرضة ومحرضة، وكل من عليها مأجورين ليس لهم قناعات ويعبرون فقط عمن يدفع لهم الثمن الأعلى. ويتعلق الكثير من أنصار هذا الإتجاه بفكرة أنهم سيستطيعون السيطرة على هؤلاء عن طريق أدوات الدولة فور تملكها بشكل أقوى، وأنه سيتم التخلص من هؤلاء المغرضين قريبا جدا.

والطبع، هناك مساحات في المنتصف، ولكن ليس مجال نقاشها هنا اليوم. ولن أتحدث كذلك هنا حول من قد أراه على صواب أكثر من الثاني في الكل أو الجزء.

ولكن كل ما أود أن أقوله أن كل من هذين الطرفين يعيش في عالم غير واقعي. وفي الكثير من الأحيان، فلا يوجد أي إتصال بي هذا وذاك. لا توجد صداقات مشتركة. العائلات تنقسم إلى جزر منفصلة. أنت مُطالب بالإبتعاد عن هؤلاء، وهو مُطالب بأن يبتعد عنك، والكل يعيش في دائرة مغلقة ومليئة بالعداء و"أحيانا" (وليس دائما) بالبارانويا.

فلن يستطيع أحد أن يقضي على الثاني. فهؤلاء بالفعل أعدادهم بالملايين، وقناعاتهم راسخة، وهم متحمسون، وغاضبون. وهؤلاء كذلك أعدادهم بالملايين، وقناعاتهم راسخة كذلك، ولا ينقصهم من الحماسة والحنق شيئا.

هؤلاء باقون وهؤلاء باقون. 

ستظل هذه القنوات وستظل تلك. سيظل رموز هؤلاء، وسيظل رموز الأخرين، وسيظهر رموز أخرين لهؤلاء ولهؤلاء.

ولن ينتصر أحد في هذه الحرب التي هي بلا داعي بشكل كبير، على الأقل في السنوات الكثيرة القادمة. وكل محاولة لإقصاء الأخر بشكل حاسم ستظل مضيعة للوقت في عمر هذه البلاد.

فماذا إذا؟

في نهاية المطاف، بعدما ننهك كلنا وتنهك مصر معنا وينهك الملايين ممن لا يهتمون بالسياسة، مهما طال كل ما يحدث الآن، فلن يوجد سوى أننا سنجد صيغة ما لنعيش معا. سنجد صيغة ما للإلتفاف حول ما يوحدنا، ولنتجادل حول ما يفرقنا، ولكي يكون هذا الجدال بالطريقة التي ربما تؤدي بنا إلى شيء في نهاية المطاف. ولكن لن يختفي هؤلاء، ولن يتبخر هؤلاء.

ستستمر المنافسة السياسية، والمحاورات الفكرية، وستطرح الأفكار لعل إحداها على صواب أو لعل كلها على خطأ وفكرة أخرى وجديدة تماما هي التي على صواب. ولكن لن يخرج هؤلاء من الصورة، ولن تستيقظ مصر يوما فلا تجد هؤلاء.

سيلقي هذا التحية على ذاك في الصباح، وإن لم يريد ذلك فسيتركه في حاله. سيعمل معه في نفس مكان العمل. سيدرس معه في نفس مكان الدراسة. سيتسوق معه في نفس المكان. سيأكلان معا في نفس المطعم. سيرتدي هذا ما يريد، وسيرتدي ذاك ما يريد. سيقول هذا ما يراه، وسيقول ذاك ما يراه.

ومع الوقت، ربما نصل إلى بلد تساعنا كلنا وتعطي كل منا ما يريده، حتى ولو بشكل غير مثالي بشكل كبير.

ولكن لن يختفي هؤلاء، ولن يتبخر هؤلاء.

وكلما أسرع الكل بقبول ذلك كلما وفر على أنفسهم وعلى مصر الوقت والجهد.

الكل باق.

No comments:

Post a Comment